أشعلت أميركا وأتباعها النار في سوريا على حطب المطالب الشعبية في الإصلاح والديمقراطية ومكافحة الفساد، تحرك حق يراد به باطل ،والحق أن يأخذ المواطن حقوقه، والباطل أن تصادر مطالبه ويستغلها المتآمرون خارج الحدود ،فضاعت الثورة وضاعت المطالب وتحولت إلى محرقة للشعب والجيش والدولة ومعها حاملوا النار من التكفيريين والعصابات المسلحة والوصوليين من المقاولين الثوريين.
انتقلت ما سمي بالثورة السورية من المطالبة بإصلاح النظام إلى واقع تدمير سوريا كمرحلة أولى من مخطط تدمير محور المقاومة والممانعة الذي صمد عشرين عاما بمواجهة أميركا وإسرائيل حتى استفاق الروس والصين لحماية أنفسهم واستعادة دورهم على الساحة الدولية.
بعد ثلاثين شهراً من التدمير المنهجي لسوريا على مستوى الدولة والنسيج الإجتماعي والطوائفي، استطاعت سوريا وحلفائها الصمود وعرقلة المشروع الأميركي – الصهيوني وبدأت أحجار الدومينو الإخواني والتكفيري تتساقط وتخسر أميركا مخالبها التي تلبس الزي الأفغاني وتتزين بلحية طويلة مع ساطور للذبح بدل المسبحة ... واضطرت أميركا للتراجع وبدء المفاوضات مع روسيا كممثل لسوريا وحلفائها فتراجعت أميركا عن العدوان من باب موافقة سوريا على تدمير السلاح الكيماوي الذي لن تستعمله بمواجهة الإرهابيين ولا يقدم أو يؤخر في الداخل السوري بل كانت مهمته التوازن الإستراتيجي مع النووي الإسرائيلي وبعد توفر البديل من حلفاء سوريا تنازلت سوريا عنه وللتخلص من عبئه ،وكضربة وقائية قبل أن يقع في أيدي إرهابيي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، جبهة النصرة في سوريا ولبنان، القاعدة في المغرب العربي – القاعدة فرع اليمن – (بوكوحرام ) في نيجيريا – أنصارالشريعة تونس- حركة الشباب المسلم الصومال- القاعدة في ليبيا وأتباع الإخوان المسلمين في دول الخليج.
تركيا ستبدأ حصاد ما زرعته في سوريا وتكون أرض جهاد بعدما كانت أرض نصرة لتهريب المسلحين إلى سوريا وبيان داعش الذي هدد أردوغان ببداية المرحلة وستصبح تركيا تحت ضربات الجماعات التكفيرية من جهة، وضربات الأكراد من جهة ثانية مع بدء ولادة جبهة ثالثة سياسية - طائفية من العلويين والسنة الأتراك بعدما أشعل أردوغان فتيل الفتنة المذهبية وستبدأ في الأردن أرهاصات العنف التكفيري متعدد الأساليب والمعارك سواء بين القبائل والعشائر أو بين الإسلاميين والنظام أو بين الفلسطينيين والأردنيين، حيث سيعود التكفيريين من سوريا ويؤسسون دولتهم في الأردن وفق منهجيتهم السياسية وكذلك في لبنان والسعودية والخليج وأوروبا.
"الإنفلوانزا "التكفيرية في سوريا وباء سيصيب بعدواه كل العالم العربي والإسلامي في المرحلة الأولى وسينتقل عبر المجنسين الذين حشدتهم وسمحت لهم المخابرات الغربية بالإنتقال إلى سوريا، وذلك بعد عودتهم إما هرباً أو ثأراً وتعويضاً لخيبات الأمل الذي أصبوا بها خاصة وأن أهم بنود الإتفاق الروسي – الأميركي هو التعاون للتخلص من الجماعات الإرهابية التكفيرية.
لقد أنتهت المرحلة الأولى من المحرقة السورية بصمود سوريا وبقاء الرئيس الأسد و(النظام الدولة) وتراجع المشروع الأميركي وسقوط (الحمدين) في قطر والأخوان في مصر و(حماس-مشعل) في غزة.
وبدأت المرحلة الثانية التي بدأت بالصراع والتقاتل بين فصائل وأجنحة الثورة السورية بين متطرفين أجانب(داعش) ومتطرفين سوريين (النصرة) بين علمانيين وإسلاميين بين الإئتلاف السوري والجيش الحر بين السياسسين والعسكريين بين قطر والسعودية وتركيا والإخوان عبر ممثليهم مع الفصائل العسكرية داخل سوريا وستزداد هذه الصراعات الدموية كلما اقتربنا من التسوية السياسية لأن (جنيف 2) لا يتسع للجميع وكل دولة تريد السيطرة على بعض الجغرافيا السورية لصرفها سياسياً في جنيف وتنبت الدور السياسي لهذه الدول.
المرحلة الثالثةستبدأ بإنتقال هذه الجماعات المسلحة إلى إعلان الحرب الشاملة على مستوى الدول المجاورة لسوريا (الأردن، تركيا، لبنان، العراق..) والتوسع إلى الساحتين الأوروبية والأميركية، فكما تؤمن هذه الجماعات بالخلافة على المستوى السياسي وإدارة الحكم وعدم الإعتراف بالحدود السياسية للدول، فإنها تؤمن بوحدة ساحة المعركة ووحدة الجهاد فكل الساحات الإسلامية هي ساحة مفتوحة لتجنيد المسلحين وكذلك العمل الجهادي، خاصة وأنها اتبعت إستراتيجية اللامركزية القيادية والتنظيمية فلم تعد القاعدة بقيادة الظواهري هي التنظيم الأوحد بل أن لا أذرع متعددة في سوريا والعالم حيث أن تدمير السلاح الكيماوي الذي وافق عليه الروس وقدموه كتنازل ليس لمنع العدوان الأميركي بل مقابل تدمير السلاح التكفيري الذي وافقت عليه أميركا كمقايضة مع السلاح الكيماوي السوري.
إن تجربة الأفغان العرب بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان ستتكرر وستكون مرحلة "التكفيريين "العرب الذين سيعودون إلى بلادهم أو إلى الذين احتضنوهم وسيشعلوا ساحات المتآمرين.
إن بداية شفاء سوريا من الإنفلوانزا التكفيرية سيتزامن مع بداية إصابة آخرين بهذا المرض، سيشرب طابخو السم ما طبخوه لسوريا مع فارق وحيد أنهم لن يستطيعوا الصمود كما صمدت سوريا ،فأنظمتهم أوهن من بيت العنكبوت ولا يملكون القدرة على القتال وأميركا لا تستطيع تلبية إستغاثاتهم فهي غارقة في أزمتها المالية وفي مرحلة التصحر السياسي وانكماش الدور وبدء عصر العالم المتعدد الأقطاب.
إن صبح سوريا لقريب ــ وليل المتآمرين قريب أيضاً ،لكن سيرون نجوم الظهر بدل نجوم الليل فمن اعتدى على الإسلام بجهاد النكاح والتحالف مع إسرائيل وسفك دم الأبرياء.... لن ينجو من عدالة السماء بأيدي من في الأرض.